فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}.
وقد عرفنا القبول الحسن والإنبات الحسن، أما قوله الحق: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} فهذا يعني أن المسألة جاءت من أعلى، أنه الرب الذي تقبل بقبول حسن، وهو الذي أنبتها نباتا حسنا. إذن، فرعاية زكريا لها إنما جاءت بأمر من الله. والدليل على ما حدث عند كفالة مريم. لقد اجتمع كبار القوم رغبة في كفالتها وأجروا بينهم قرعة من أجل ذلك. وساعة تجد قرعة، أو إسهاما. فالناس تكون قد خرجت من مراداتها المختلفة إلى مراد الله. فعندما نختلف على شيء فإننا نجري قرعة، ويخصص سهم لكل مشترك فيها، ونرى بعد ذلك من الذي يخرج سهمه، ويلجأ الناس لهذا الأمر؛ ليمنعوا هوى البشر عن التدخل في الاختيار، ويصبح الأمر خارجا عن مراد البشر إلى مراد الله سبحانه وتعالى، وهذا ما حدث عند كفالة زكريا لمريم. ولذلك فالحق يقول لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ذلِكَ مِنْ أَنَبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44].
إذن فالكفالة لمريم أخذت لها ضجة، وهذا دليل على أنهم اتفقوا على إجراء قرعة بالنسبة لكفالتها، ولا يمكن أن يكونوا قد ذهبوا إلى هذه القرعة إلا إذا كان قد حدث تنازع بينهم، عن أيهم يكفل مريم، ومن فضل الله أن زكريا عليه السلام كان متزوجا من إشاع أخت حنة وهي أم مريم، فهو زوج خالتها.
وكلمة {أقلامهم} قال فيها المفسرون: إنها القداح التي كانوا يصنعونها قديما، أو الأقلام التي كتبوا بها التوراة، فرموها في البحر، فمن طفا قلمه لم يأخذ رعاية مريم، ومن غرق قلمه في البحر فهو الذي فاز بكفالة مريم. إذن فهم قد خرجوا عن مراداتهم إلى مراد الله.
والخروج عن المرادات، والخروج عن الأهواء بجسم ليس له اختيار- كقداح القرعة- لا يوجد في النفس غضاضة. لكن لو كان هناك من سيأخذ رعاية مريم بالقوة والغضب فلابد أن يجد نفوس الآخرين وقد امتلأت بالمرارة أو الغصب. ولذلك فقد كان سائدا في ذلك العصر عملية إجراء السهام إذا ما خافوا أن يقع الظلم على أحد أو أن يساء الظن بأحد، وهناك قصة سيدنا يونس عندما قاربت السفينة على الغرق، وكأن لابد لإنقاذها أن ينزل واحد إلى البحر، وجاء القول الحكيم: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلاَ أنه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 139- 144].
كأن لابد أن ينزل واحد من تلك السفينة، لذلك تم إجراء قرعة بالسهام حتى لا تقوم معركة بين الموجودين على ظهر السفينة، وحتى لا تكون الغلبة للأقوياء، ولكن القرعة حمت الناس من ظلم بعضهم بعضا.
قالوا: لنجر قرعة السهام، فمن يخرج سهمه فهو الذي يلقى به، وكان على يونس عليه السلام أن ينزل إلى اليم فيلتقمه الحوت. ولأنه من المسبحين فإن الله ينقذه. لقد قبل يونس عليه السلام اختيار الله ولم ينس تسبيح الله فكان في ذلك الإنقاذ له. وهكذا نقرأ قول الله لنفهم أن كفالة زكريا كانت باختيار الله.
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}.
وكلمة {كفلها} أي تولى كل مهمة تربيتها، هذه هي الكفالة، ونحن نعرف أن الكفيل في عرفنا هو الضامن، والضامن هو من يسد القرض عندما يعجز الإنسان عن السداد، وقوله الحق: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} يعطينا المعنى الواضح بأن زكريا عليه السلام هو الذي قام برعاية شئون مريم.
ويتابع الحق الكريم قوله: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا} أنه لم يدخل مرة واحدة، بل دخل عليها المحراب مرات متعددة. وكان زكريا عليه السلام كلما دخل على مريم يجد عندها الرزق، ولذلك كأن لابد أن يتساءل عن مصدر هذا الرزق، ولابد أن يكون تساؤله معبرا عن الدهشة، لذلك يجيء القول الحق على لسان زكريا: {أَنَّى لَكِ هَذَا}.
وساعة أن تسمع {أَنَّى لَكِ هَاذَا} فهذا يدل على أنه قام بعمل محابس على المكان الذي توجد به مريم، وإلا لظن أن هناك أحدا قد دخل على مريم، وكما يقولون: فإن زكريا كان يقفل على مريم الأبواب. وإلا لو كانت الأبواب غير مغلقة لظن أن هناك من دخل وأحضر لها تلك الألوان المتعددة من الرزق.
والرزق هو ما ينتفع به- بالبناء للمجهول- وعندما يقول زكريا عليه السلام: {أَنَّى لَكِ هَذَا}. فلنا أن نتذكر ما قلناه سابقا من أن أي إنسان وكله الله على جماعة ويرى عندهم ما هو أزيد من الطاقة أو حدود الداخل، فلابد أن يسأل كُلًا منهم: من أين لك هذا؟ ذلك أن فساد البيوت والمجتمعات إنما يأتي من عدم الإهتمام بالسؤال وضرورة الحصول على إجابة على السؤال المحدد: من أين لك هذا؟
إن الذي يدخل بيته ويجد ابنته ترتدي فستانا مرتفع الثمن ويفوق طاقة الأسرة، أو يجد ابنه قد اشترى شيئا ليس في طاقة الأسرة أن تشتريه، هنا يجب أن يتوقف الأب أو الولي ليسأل: من أين لك هذا؟ إن في ذلك حماية لأخلاق الأسرة من الإنهيار أو التحلل. فلو فطن كل واحد أن يسأل أهله ومن يدخلون في كفالته- من أين لك هذا؟ لعرف كل تفاصيل حركتهم، لكن لو ترك الحبل على الغارب لفسد الأمر.
وقول زكريا: {أنّى لك هذا} هو سؤال محدد عن مصدر هذا الرزق، ولننظر إلى إجابتها: {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله} ثم لا تدع البديهة الإيمانية عند سيدنا زكريا دون أن تذكره أنها لا تنسى حقيقة واضحة في بؤرة شعور كل مؤمن: {إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وأثارت هذه المسألة في نفس زكريا نوازع شتى؛ إنها مسألة غير عادية، لقد أخبرته مريم أن الرزق الذي عندها هو من عند الله الذي يرزق من يشاء بغير حساب، أنه الإله هو القادر على أن يقول: كن فيكون.
وهنا ذكر زكريا نفسه، وكأن نفسه قد حدثته: إذا كانت للقدرة طلاقة في أن تفعل بلا أسباب، وتعطي من غير حساب، فأنا أريد ولدا يخلفني، رغم أنني على كبر ورغم بلوغي من السن عتيّا، وامرأتي عاقر. إن مسألة الرزق الذي وجده زكريا كلما دخل على مريم هي التي نبهت زكريا إلى ما يتمنى ويرغب.
ونحن نعلم أن المعلومات التي تمر على خاطر النفس البشرية كثيرة، ولكن لا يستقر في بؤرة الشعور. ومعلومات في حاشية الشعور يتم استدعاؤها عند اللزوم، فلما وجد زكريا الرزق المنوع عند مريم وقالت له عن مصدره: {هُوَ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. هنا تساءل زكريا: كيف فاتني هذا الأمر؟ ولذلك يقول الحق عن زكريا: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ}. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال أبو حيان:
قيل: وفي هذه الآيات أنواع من الفصاحة.
العموم الذي يراد به الخصوص في قوله: {على العالمين}، والاختصاص في قوله: {آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران}.
وإطلاق اسم الفرع على الأصل.
والمسبب على السبب، في قوله: {ذرية}، فيمن قال المراد الأباء، والإبهام في قوله: {ما في بطني}، لما تعذر عليها الإطلاع على ما في بطنها أتت بلفظ: ما، الذي يصدق على الذكر والأنثى، والتأكيد في قوله: {إنك أنت السميع العليم} والخبر الذي يراد به الاعتذار في قولها: وضعتها أنثى، والاعتراض في قوله: {والله أعلم بما وضعت}، في قراءة من سكن التاء أو كسرها وتلوين الخطاب ومعدوله في قوله: {والله أعلم بما وضعت}، في قراءة من كسر التاء، خرج من خطاب الغيبة في قولها: فلما وضعتها، إلى خطاب المواجهة في قوله: {بما وضعت} والتكرار في: وأنى، وفي: زكريا، وزكريا، وفي: من عند الله، إن الله والتجنيس المغاير في: فتقبلها ربها بقبول، وأنبتها نباتًا، وفي: رزقًا ويرزق والإشارة، وهو أن يعبر باللفظ الظاهر عن المعنى الخفي، في قوله: {هو من عند الله}، أي هو رزق لا يقدر على الإتيان به في ذلك الوقت إلاَّ الله.
وفي قوله: {رزقًا}، أتى به منكّرًا مشيرًا إلى أنه ليس من جنس واحد، بل من أجناس كثيرة، لأن النكرة تقتضي الشيوع والكثرة.
والحذف في عدة مواضع لا يصح المعنى إلا باعتبارها. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فتقبلها ربها بقبول حسن} قال: تقبل من أمها ما أرادت بها الكنيسة فأجرها فيه {وأنبتها نباتًا حسنًا} قال: نبتت في غذاء الله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع وكفلها زكريا قال: ضمها إليه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها رزقًا عنبًا في مكتل في غير حينه {قال أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} قال: إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدًا {هنالك دعا زكريا ربه} فلما بشر بيحيى قال: {رب اجعل لي آية قال آيتك ألاَّ تكلم الناس} قال: يعتقل لسانك من غير مرض وأنت سوي.
وأخرج عبد بن حميد وآدم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله: {وكفلها زكريا} قال: سهمهم بقلمه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها، وكان زكريا زوج خالتها. فكفلها وكانت عنده وحضنتها.
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود وابن عباس وناس مق الصحابة، إن الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان محرر واقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه، وكان زكريا أفضلهم يومئذ، وكان معهم، وكانت أخت أم مريم تحته، فلما أتوا بها قال لهم زكريا: أنا أحقكم بها، تحتي أختها. قال: فخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام، وقام قلم زكريا على قرنيه كأنه في طين فأخذ الجارية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وكفلها زكريا} قال: جعلها معه في محرابه.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأها {وكفلها} مشددة {زكرياء} ممدودة مهموز منصوب.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {وجد عندها رزقًا} قال: مكتلًا فيه عنب في غير حينه.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن جرير عن مجاهد {وجد عندها رزقًا} قال: عنبًا في غير زمانه.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد {وجد عندها رزقًا} قال: فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد {وجد عندها رزقًا} قال: علمًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وجد عندها رزقًا} قال: وجد عندها ثمار الجنة. فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وجد عندها رزقًا} قال: الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك {أنَّى} يعني من أين.
وأخرج عن الضحاك {أنى لك هذا} يقول من أتاك بهذا.
وأخرج أبو يعلى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أيامًا لم يطعم طعامًا حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئًا، فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع؟ فقالت: لا والله. فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعًا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسنًا أو حسينًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء قد خبأته لك فقال: هلمي يا بنية بالجفنة. فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزًا ولحمًا، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله. فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حمد الله وقال: من أين لك هذا يا بنية؟ قالت: يا أبت {هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} فحمد الله ثم قال: الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله رزقًا فَسُئِلَتْ عنه {قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (38):

قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً أنك سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان كأنه قيل: فما قال زكريا حينئذ؟ قيل: {هنالك} أي في ذلك الوقت وذلك المكان العظيمي المقدار {دعا زكريا ربه} تذكرًا لما عودهم الله سبحانه وتعالى به من الإكرام، فظهرت عليه كرامات هذه الكفالة، قال الحرالي: لما أشهده الله سبحانه وتعالى أنه يخرق عادته لمن شاء بكلمته في حق كفيلته في الظاهر، الكافلة له في هذا المعنى، دعا ربه الذي عوده بالإحسان أن يرزقه ولدًا في غير إبأنه كما رزق مريم رزقًا في غير زمانه فوجب دعاؤه- انتهى.
{قال رب} أي الذي عودني بإحسانه {هب لي من لدنك} قال الحرالي: طلب عليه من باطن الأمر كما قال سبحانه وتعالى: {وعلمناه من لدنا علمًا} [الكهف: 65]، وكما قال فيه {وحنانًا من لدنا} [مريم: 13]، لأن كل ما كان من لدن فهو أبطن من عند {ذرية} فيه إشعار بكثرة ونسل باق، فأجيب بولد فرد لما كان زمان انتهاء في ظهور كلمة الروح وبأنه لا ينسل فكان يحيي حصورًا لغلبة الروحانية على إنسانيته- انتهى.
{طيبة} أي مطيعة لك لأن ذلك طلبة أهل الخصوص، ثم علل إدلاله على المقام الأعظم بالسؤال بقوله: {إنك سميع الدعاء} أي مريده ومجيبه لأن من شأن من يسمع- ولم يمنع- أن يجب إذا كان قادرًا كاملًا، وقد ثبتت القدرة بالربوبية الكاملة التي لا تحصل إلا من الحي القيوم، بخلاف الأصنام ونحوها مما عبد فإنها لا تسمع، ولو سمعت لم تقدر على الإجابة إلى ما تسأل فيه لأنها مربوبة.
قال الحرالي: أعلم الداعي بما لله سبحانه وتعالى من الإجابة، والقرب وسيلة في قبول دعائه- انتهى. اهـ.